
في تونس، لم تعد المآسي التي تطال الأطفال مجرد حوادث معزولة، بل تحوّلت إلى نمط متكرر، وسلسلة من الانتهاكات الصامتة، ضحيتها فئة يفترض أنها الأكثر احتياجًا للحماية والرعاية: الطفولة.
من البالوعات المكشوفة إلى الجدران المنهارة، من النقل المدرسي العشوائي إلى الجرائم الأسرية والاعتداءات الجنسية، تتعدد الوجوه، ويظل المشترك بينها تهاون أصحاب المسؤوليات، وغياب المحاسبة الحقيقية.
ولكم منصة زرقاء تصرخون فيها ليوم أو يومين، ثم تهدأ العاصفة ويستتب الصمت، بينما تستمر الأخطاء بذات الحرفية وذاك التواتر، وكأن الموت صار تفصيلًا صغيرًا في مشهد أكبر لا يعني أحدًا.
أولاً: البنية التحتية… أفخاخ يومية للطفولة
البالوعات المكشوفة:
- فرح بن رمضان (2020): أربع سنوات، سقطت في فتحة صرف صحي مفتوحة وسط شارع البحر الأزرق. التبليغات وُثّقت، لكن لا أحد تحرّك.
- طفل في سوسة (2023): سقط في حفرة مماثلة أمام المدرسة، رغم تحذيرات الأولياء المتكررة.
الأودية والممرات المفقودة:
- مهى القضقاضي (2019): 11 سنة، غرقت في وادٍ أثناء عبورها نحو المدرسة. لا ممرّ، لا جسر، فقط جذوع أشجار عابرة.
- طفل في الكاف (2022): توفي أثناء محاولة عبور مجرى مائي للوصول إلى مدرسته، في منطقة لم توضع بها حتى لافتة “خطر”.
النقل المدرسي: بين الارتجال والموت المؤكد
- عمدون (2019): انقلاب حافلة سياحية في منطقة جبلية أدى إلى مقتل 26 شابًا ويافعًا.
- مزونة (2024): اصطدام سيارة نقل مدرسي غير مؤهلة بشاحنة ثقيلة على طريق بلا إنارة.
- فج بوحسينة – القصرين (2025): وفاة تلميذ (15 سنة) إثر سقوطه من شاحنة خفيفة أثناء عودته من المدرسة، لغياب النقل المدرسي الآمن.
ثانيًا: المؤسسات التربوية… حين يتحوّل التعليم إلى تهديد
مدارس تنهار:
- معهد المزونة – سيدي بوزيد: سقوط جدار داخل المؤسسة أدى إلى وفاة ثلاثة تلاميذ وعدد من الجرحى.
- مدرسة ابتدائية بصفاقس (2021): إصابة تلميذ بكسر مضاعف بعد سقوط بوابة حديدية.
- مدارس في القصرين وقفصة: انهيارات جزئية، تشققات، وأقسام غير صالحة لاستقبال الأطفال.
الإطعام المدرسي:
- توزر (2016): تسمم جماعي لأكثر من 40 تلميذًا بسبب وجبة مدرسية غير صالحة.
- باجة (2023): تكرار الحادثة مع وعود بالتحقيق لم تتجاوز التصريحات الصحفية.
الرعاية الصحية الغائبة:
- غياب شبه تام للكوادر الطبية داخل المدارس.
- سيارات إسعاف لا تصل في الوقت المناسب.
- تلاميذ ينهارون بسبب الجوع أو البرد أو الإرهاق، ولا توجد تجهيزات أولية للاستجابة.
ثالثًا: الطفولة في قلب العنف والاعتداءات
جرائم قتل:
- ريان (مارس 2025): طفل في الرابعة من عمره، راح ضحية جريمة لم يُكشف فاعلها.
- زينب الطرخاني (رمضان 2025): ست سنوات، وُجدت مقتولة في إحدى ضواحي العاصمة.
- ياسين البالغ (2016): أربع سنوات، قُتل على يد رقيب في الجيش في حي هلال.
العنف داخل الأسرة:
- قفصة (2018): طفلة تُقتل “تأديبًا” من أحد أفراد عائلتها.
- الكاف (2021): طفل يُضرب حتى الموت من طرف زوج والدته، رغم تبليغات سابقة.
الاعتداءات الجنسية:
- حالات موثّقة في منوبة، صفاقس، قفصة ضد أطفال داخل مؤسسات أو من محيطهم. تُغلق الملفات غالبًا إما بالتشخيص النفسي للجاني أو بالضغط على العائلات.
الاختفاء والاعتداء من قبل الأمن:
- سيدي حسين (2021): طفل يتعرض للاعتداء من طرف أمنيين.
- ملفات مفتوحة لأطفال اختفوا دون أثر، والبعض لم يُعثر عليهم حتى اليوم.
موت بلا إعلان… وطفولة بلا أمان
ما يجمع هذه القصص ليس فقط الأسى، بل التكرار.
تكرار الحوادث، تكرار التقصير، تكرار الصمت.
لا جهة تحاسب، ولا مسؤول يُسأل، وكأن الطفولة لا تملك الحق في النجاة.
الطفل في تونس يعيش بين الخطر واللا مبالاة:
خطر في الطريق، خطر في المدرسة، وخطر في البيت.
ولا حماية تُبنى على بيانات، ولا وقاية تُنتج من لجان بلا فعل.
وإن لم نغضب بصدق هذه المرة، وإن لم نطالب بالمحاسبة الفعلية،