
حين يُسدل الستار على عامٍ دراسيٍّ طويلٍ ومرهق، مليء بالاختبارات والواجبات والقلق المستمر، يحتاج الطفل إلى ما هو أكثر من مجرد “عطلة”. إنه بحاجة إلى استعادة إنسانيته، وهدوئه، وطفولته التي دهستها جداول الدروس والتقييمات.
ومع ذلك، نرى كل صيف مشهدًا يتكرر: أولياء يملؤون جداول أبنائهم بـ”المراجعات”، والدروس الخصوصية، والمذاكرة القسرية… وكأنهم يُعدّونهم لاختبار الحياة ذاته!
لكن لنسأل أنفسنا:
هل هذه “المراجعات” حقًا تحقق ما نريده؟ أم أننا نحطم أبناءنا باسم النجاح؟
دعوهم يتنفسون… بعد عام دراسي مثقل بالتلقين والتعب
في العالم العربي، يُعاني الأطفال من مناهج تعليمية ثقيلة، جافة، وتكرارية، ومن ساعات تدريس طويلة ومرهقة لا تراعي مراحل النمو ولا قدرة التركيز. يبدأ يومهم الدراسي في وقت مبكر، ويمتد لست أو سبع ساعات، داخل صفوف مزدحمة، ومعلمين مرهقين، ونظام يُكافئ الحفظ ويعاقب التفكير.
لا فسحة للّعب، ولا وقت للأسئلة، ولا تشجيع على الاكتشاف.
بل مجرد سباق مرهق لتجاوز الامتحانات والواجبات، يُستكمل مساءً بالدروس الخصوصية.
فهل يُعقل أن نُكمل هذا الضغط حتى في العطلة التي من المفترض أن تكون فسحة للراحة؟
الطفل في نهاية العام لا يحتاج إلى مراجعة دروسه بقدر ما يحتاج إلى مراجعة روحه، وإعادة شحن نفسه، واستعادة شغفه بالحياة والتعلم.
مساوئ الضغط الدراسي في الصيف
- استنزاف نفسي وعقلي:
بحسب الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA)، يحتاج الطفل إلى فترات من الراحة الذهنية ليعيد تنظيم دماغه ونموه العاطفي. الضغط المستمر يؤدي إلى القلق، تقلبات المزاج، قلة التركيز، بل حتى الاكتئاب في بعض الحالات. - فقدان معنى الطفولة:
حين يُمنع الطفل من اللعب، من السفر، من الهدوء… يصبح التعليم عبئًا لا متعة. ما الجدوى من حشو العقول إن كرهت المعرفة؟ إن الطفولة ليست حلبة سباق، بل رحلة نمو. - علاقة سلبية مع التعلم:
الأطفال الذين يُجبرون على الدراسة في فترات الراحة يتطور لديهم نفور طويل الأمد من المذاكرة، لأنهم يربطونها بالإكراه والتعب لا بالاكتشاف والمتعة. - تدمير للإبداع والتوازن العقلي:
الصيف هو الموسم الذهبي لاكتشاف المواهب، للهوايات، للتجارب الحرة. والمراجعات الزائدة تسرق هذا الفضاء، وتحدّ من نمو الشخصية وتنوع القدرات.
الطب النفسي يحذّر: دعوهم يستريحون
تشير العديد من الدراسات النفسية إلى أن العطلة الصيفية يجب أن تُخصص أساسًا لإعادة التوازن العصبي والوجداني لدى الأطفال. الدماغ بحاجة إلى الانفصال المؤقت عن الروتين ليعيد بناء نفسه. المراجعة المستمرة تحرم الطفل من هذه “إعادة التشغيل”، ما قد يؤدي على المدى الطويل إلى الإرهاق المزمن أو ما يُعرف بـ “الاحتراق الدراسي المبكر”.
وماذا عن الفائدة الأكاديمية؟
أظهرت دراسة منشورة في مجلة Review of Educational Research أن الأطفال الذين يقضون عطلتهم في أنشطة غير أكاديمية (مثل الرياضة، الفنون، السفر، التطوع) يعودون بعقول أكثر انفتاحًا، ونفسيات أكثر استقرارًا، ما يعزز من قدرتهم على الاستيعاب في بداية العام الدراسي التالي أكثر من زملائهم الذين أمضوا الصيف في المراجعة الجبرية.
البديل الأفضل؟
- أنشطة حرة تنمّي المهارات الحياتية والاجتماعية.
- تطبيق هواياتهم واكتشافها ودعمها
- ألعاب ذهنية ممتعة تحفّز التفكير بلا ضغط.
- قراءة قصصية حرة، لا كتب مدرسية.
- مشاركات عائلية تعيد الروابط وتشبع العاطفة.
كفانا إعادة تدوير الأسلوب التربوي القديم
في كثير من البيوت، ما زالت التربية تُمارس بردود الفعل: “لقد أجبرني أبي على الدراسة في الصيف، وسأفعل الشيء نفسه مع أبنائي!”
لكن هل كان ذلك صحيًا لك؟ وهل ترغب حقًا أن يعاني طفلك كما عانيت؟
ليس بالضرورة أن تكرّر ما فُعل بك، وتُثقل كاهل ابنك باسم الحرص والمصلحة.
جيل اليوم لا يشبه جيل الأمس. وتحدياتهم مختلفة، وأدواتهم مختلفة، واحتياجاتهم العاطفية والنفسية أعمق.
لا تنقلوا إليهم صدماتكم الدراسية، بل انقلوا إليهم حقهم في عطلةٍ هادئة، فيها نفس، وأمل، وضحكات.
أطفال علماء