
قراءة في كتاب دانيال تي. ويلينجهام
لا شك أن أحد الأسئلة الأكثر إلحاحًا لدى المعلمين والآباء على حد سواء هو: “لماذا يفقد الكثير من التلاميذ شغفهم بالتعلّم داخل المدرسة؟”
يحاول دانيال تي. ويلينجهام، أستاذ علم النفس المعرفي بجامعة فرجينيا، الإجابة عن هذا السؤال في كتابه الشهير: “لماذا لا يحب التلاميذ المدرسة؟” (Why Don’t Students Like School?)، مستندًا إلى نتائج أبحاث علم النفس المعرفي، ومقدمًا رؤى عملية لتحسين العملية التعليمية.

التفكير ليس سهلًا… لكنه ممكن
أهم ما يميز هذا الكتاب هو طرحه لفكرة أن عقل الإنسان لا يحب التفكير المعقّد بطبيعته. فالتفكير يتطلب جهدًا، والدماغ – لحمايتنا من الإرهاق – يفضل اللجوء إلى العادات والمعرفة المخزنة بدلًا من بذل مجهود ذهني مستمر. ومع ذلك، يوضح الكاتب أن الإنسان يستمتع بالتفكير حين يُعرض عليه تحدٍ متوسط الصعوبة، لا سهل جدًا فيبعث على الملل، ولا صعب فيؤدي إلى الإحباط.
ما نفكر فيه هو ما نتذكره
من بين الرسائل المركزية في الكتاب أن الذاكرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتفكير: أي أننا نتذكر ما فكرنا فيه بعمق، لا ما سمعناه أو قرأناه دون انتباه. لذا، إذا كان الطالب أثناء الدرس يفكر فقط في “متى سينتهي؟” فهو غالبًا لن يتذكر شيئًا. يدعو المؤلف المعلمين إلى تصميم أنشطة ودروس تجعل الطلاب يفكرون في جوهر المفاهيم، وليس في التفاصيل السطحية فقط.
ضد نظرية أنماط التعلم
على عكس ما يشيع في الوسط التربوي، ينتقد ويلينجهام بقوة الاعتقاد بأن لكل تلميذ “نمط تعلم خاص” (بصري، سمعي، حركي). ويرى أن الأبحاث لا تؤيد هذه الفكرة، ويؤكد أن الأسلوب الجيد في التعليم يجب أن يتماشى مع طبيعة المادة نفسها، لا مع تفضيلات الطالب.
المعرفة أولًا… ثم التفكير النقدي
يشدد الكتاب على أن الطالب لا يمكنه التفكير تفكيرًا نقديًا جيدًا ما لم يمتلك قاعدة معرفية كافية. فالمهارات التحليلية لا تُمارس في فراغ، بل تحتاج إلى معرفة مسبقة تغذيها. لذلك، لا ينبغي إهمال تلقين الحقائق الأساسية، بل يجب مزجها بطرق تشجع على الفهم والتطبيق.

دور القصص في التعليم
واحدة من أكثر الأفكار إلهامًا في الكتاب هي اعتماد القصص وسيلةً تعليمية. فالقصص، بحسب المؤلف، تنظم المعلومات بطريقة طبيعية للعقل البشري، وتسهم في جعل المعلومات أكثر رسوخًا في الذاكرة، نظرًا لأنها تثير المشاعر وتربط المفاهيم بالسياق.
كيف نستفيد من هذا الكتاب؟
يُعد كتاب “لماذا لا يحب التلاميذ المدرسة؟” دليلًا عمليًا لكل معلم يريد أن يفهم كيفية عمل عقول طلابه بشكل أفضل. وهو أيضًا تذكير مهم بأن التعليم لا يقتصر على نقل المعلومات، بل يتطلب فهمًا لآليات الانتباه، الذاكرة، التحفيز، والمتعة المعرفية.
في زمن تُحمّل فيه المدارس التلاميذ بمقررات كثيرة وأهداف امتحانية صارمة، يأتي هذا الكتاب ليقول:
“افهموا كيف يعمل عقل الطفل أولًا… ثم صمّموا التعليم بناءً على ذلك.”
رسالة الكتاب بسيطة لكن ثاقبة: جعل المدرسة مكانًا يُحب لا يُكره يبدأ من الفهم الحقيقي لكيف يتعلم الناس.
الكتاب متوفر باللغتين الانجليزية والعربية على مساحتنا في تيليغرام https://t.me/sciekids